الجمعة، 11 يوليو 2014

‏مراتب الاستشارات الثلاثة

 

تعترض الإنسان في حياته اليومية كثير من الأمور ليصنع قراراً تجاهها للتعامل مع المواقف المختلفة بما يحقق أهدافه الخاصة والعامة، فكل إنسان مسؤول..وهذه المسؤولية تتكرر عليه كل يوم ..وتحتاج هذه المسؤولية إلى اتخاذ القرارات التي تتنوع في درجات التعقيد والإشكال حسب مواقفها..ونحن كبشر ميزنا الله بالعقل نستخدم تفكيرنا لإيجاد الحلول لاختيار الأنسب لإدارة تلك المواقف.. وقد لا نستشعر عملية التفكير عند اتخاذ القرار..ولو استشعرنا تفكيرنا أثناء هذه العملية وأخضعناها للتحليل العادي لرأينا تنوعاً كبيراً في مراحلها من حيث الإستشارة والإستئناس بالرأي الواحد أو بآراء الآخرين. وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالاستشارة فقال تعالى: "وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّه"، وقالت العرب: "إذا صدأ الرأي أصقلته المشورة" وقيل أيضاً "الاستشارة عينُ الهداية"..ومع إدراك كل الشعوب بمختلف ثقافاتها وتنوع معارفها على أهمية الاستشارة إلا الناس تختلف مع الاستشارة.
والاستشارة من وجهة نظري المتواضعة تقع بين ثلاثة مراتب:
 
المرتبة الأولى:
وهي استشارة الشخص لنفسه والاعتماد عليها في كل قراراته دون الرجوع لأحد..وقد يستشير بهذا عقله وعواطفه ومشاعره وذكاءه وفطنته..لكنه هنا اعتمد على مصدر واحد وهو النفس مهما بلغ من العلم والحكمة والقوة...إلا أنها مازالت محدودة ولم تخرج عن دائرة النفس وهذه لم تحقق معنى الاستشارة مهما تعددت قنوات الشخص الذاتية، وقد قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه "قد خاطر من استغنى برأيه، والتدبير قبل العمل يُؤمِّنك من الندم". وهذا الشخص مع أنه إيجابي مع نفسه وواثق في قدراته وعلمه، إلا أن هذا لايشفع له في أن يعتمد فقط على نفسه في عملية الاستشارة..وهذا النوع من وجهة نظري يستحق أن يحتل المرتبة الثالثة والحصول على (الاستشارة البرونزية)..حيث أنه ومن باب الإنصاف أفضل من الشخص الذي يتعجل في قراراته ولا يستشير فكره وعلمه وخبرته..

المرتبة الثانية:
من يستشير نفسه ويرتاح لها ثم يعرض هذا الأمر على من يقابل من الناس وربما خاصته الذين دائماً يجاملونه ويكتفي برأي الواحد أو الإثنين منهم. وقد نجد هذا النوع ربما استشار وهو مبيت النية على هذا الأمر ومقتنع فيه ويعرضه فقط ليرى من يخالفه وقد لا يتزحزح عن رأيه..بل ربما يخسر من يخالفه الرأي بالاستشارة..وهذا لاشك بأنه سيتأثر بهذه الاستشارة لكنه قد يصر على موقفه من الاستشارة بالرغم من تأثره بها..وهذا النوع أحسن من سابقه ومن وجهة نظري يستحق أن يحتل المرتبة الثانية والحصول على (الاستشارة الفضية)

المرتبة الثالثة:
من يستشير نفسه ويحكم الرأي فيها باستخدام العقل والعلم وذكاءاته المتعددة ليصل لخيارات متعددة ..ثم يختار من يستشير لفكرته..وهذا الاختيار لمن يستشير ليس لقربهم منه أو لمواقفهم الموافقة دائماً له..بل اختارهم لصدقهم في المشورة والنصح..ثم يعرض عليهم الخيارات التي وصل لها عن نقاط الاستشارة دون تحيز لرأي ودون توضيحٍ لاختياره وما يرى به.. وعند التشاور مع المستشارين تكون لغة التخاطب معهم الحرص على الأفضل من الخيارات وليس الميل لأحدها وكذلك الاستماع إلى الخيارات التي قد تظهر ممن استشار..ولهذا شاور نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أصحابه -رضي الله عنهم- بأمرٍ من الله عز وجل مع كمال رأيه وخُلُقه وتزكيته من الله عز وجل..وهذا النوع أحسن من سابقيه ومن وجهة نظري يستحق أن يحتل المرتبة الثالثة والحصول على (الاستشارة الذهبية)

وهذه ماتتميز وتختلف به الاستشارة وما يتمايز به المستشير والمستشار..وفوق هذا كله نحن كمسلمين مهما كانت حالة استشاراتنا فقد سن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم باب الاستخارة وطلب التوفيق من الله عز وجل الذي هو العليم والحكيم بآمالنا وآلامنا ومآلاتنا عندما نحتار في رأي أو موقف.. 


 
خاتمة:
يقول أحد السلف:  مِن حق العاقلِ أن يضيف إلى رأيه آراءَ العلماء ، ويجمعَ إلى عقله عقولَ الحكماء ، فالرأي الفذّ ربّما زل ، والعقل الفرد ربما ضل

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق